Rabu, 28 November 2012

الولايات المتحدة والحرب علي الإرهاب .. الجدل السياسي والقانوني موضوعات خاصة بالموقع .....



الولايات المتحدة والحرب علي الإرهاب .. الجدل السياسي والقانوني
موضوعات خاصة بالموقع .....
وليد حسن فهمي
باحث بجامعة نانسي بفرنسا
وعضو الرابطة الأوروبية للقانون الدولي والجمعية الفرنسية للأمم المتحدة


بعد صمت دام لبضعة أشهر، جاء خطاب الرئيس الأمريكي في 6 سبتمبر 2006 معلناً تطوير استيراتيجيته في الحرب على الارهاب وظهرت معالم هذه الاستراتجية الأميريكية بعد التأكيد المستمر للرئيس الأميريكي على عزمه على مواصلة هذه الحرب وضرورة إحداث تغييرات في السياسية الداخلية و امداد المسؤولين عن الأمن داخليا' بالأدوات اللازمة لتي تمكنهم من مواجهة هذا العدو. ويلاحظ من خطاب الرئيس بوش أنه يهدف دائما' إلى ترويع المجتمع الأميريكى واقناعه باستمرار التهديدات الارهابية ومحاولات الارهابيين المستمرة توجيه ضربات جديدة كما يريد ايهام الرأي العام الأميريكي والعالمي بأنه البطل المنقذ الذي يسخر كل طاقاته من أجل الحفاظ على أمن و أستقرار الولايات المتحدة.

ويسعي هذا المقال إلي معالجة الحرب الأمريكية علي الإرهاب من الزاويتين السياسية والقانونية من هنا سوف نوضح الرؤية السياسية لواشنطن قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ثم نتطرق لموقف القانون الدولي من الحرب ضد الإرهاب من خلال تحليل الحرب في أفغانستان و العراق.

الحرب علي الإرهاب و توطيد الأحادية الأمريكية:

ساهم غياب التنافس الدولي مع الولايات المتحدة إلي الانتقال من القطبية الثنائية إلى نظيرتها الأحادية، ولقد أيدت حرب الخليج (1990- 1991) هذه الحقيقة لدي قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي وذلك منذ سقوط المعسكر الشرقي أواخر الثمانيات من القرن المنصرم. وقد سمح هذا الواقع للولايات المتحدة بتدعيم وتوطيد صفة الأحادية في إطار الحرب ضد الإرهاب الذي اعتبرته إدارة بوش الابن عدواَ جديداً للولايات المتحدة.

وهذه الأحادية ليست وليدة هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإن كانت الإدارة الأمريكية الحالية قد استفادت منها ووظفتها بشكل جيد لخدمة أهدافها الأيديولوجية والاقتصادية. ذلك أن الحرب علي الإرهاب قد بدأت منذ أمد غير بعيد، وبالتحديد في حقبة التسعينات، إبان الفترة الرئاسية الأولي للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.

ففي عام 1993 قامت الولايات المتحدة بضرب أحد منشئات الخدمة السرية العراقية في بغداد بالإضافة إلى فرض خطة تهدف إلي منع العراق من تخصيب اليورانيوم وحظر إنتاج الأسلحة النووية و الحيلولة دون قيام العراق بتطوير مفاعلها النووي.

ولتحقيق ذلك الهدف أعطت الولايات المتحدة لنفسها الحق في القيام ببعض الضربات الوقائية ضد العراق الدولة المتهمة بإتباع برامج عسكرية خفية. وبناءاً على ذلك قامت حكومة الرئيس كلينتون في السادس و العشرين من ديسمبر عام 1998 و دون الحصول على إذن من الأمم المتحدة ببعض الضربات العسكرية و التي عرفت وقتئذ بثعلب الصحراء ومما يدعو للدهشة أن الرئيس الأميركي بيل كلينتون أعتبر الأمم المتحدة وسيلة لخدمة أهداف الولايات المتحدة و ليست كهيئة إدارة دولية للمجتمع الدولي.

وقد بنت الولايات المتحدة سياستها في مكافحة الإرهاب على أساس اتهام سبق وأن وجهته للإتحاد السوفييتي السابق حينما نعتته بإمبراطورية الشر ثم استخدمت نفس الاتهام تجاه ما أسمتهم الدول المارقة أي الدول التي ترعى الإرهاب.

وهو المصطلح الذي ظهر في عهد الرئيس كلينتون ثم تطور ليصبح أكثر اتساعاً في عام 2002 حينما أطلق الرئيس الأميركي جورج بوش الابن مصطلح جديد ما أسماه بدول 'محور الشر' والذي يعد امتداداً للمفهوم السابق وأعني به الدول المارقة(1) .

ورغم اختلاف المصطلحات و المفاهيم، إلا أن الأمور كلها تسير على وتيرة واحدة تستهدف الدفاع عن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة. المهم أن هذا المصطلح الجديد يهدف إلى تعريف الدول الراعية للإرهاب أو التي تظهر عدم قابلية مزمنة في التعامل مع العالم الخارجي أو تلك التي تهدد النظام العالمي (2) وهنا يلاحظ مدي اتساع هذا التعريف كما أنه لا يستند إلى أي معايير ثابتة ولا نهائية أو موضوعية و يمكن اعتباره تعريف مرن أو مطاطي حيث يسمح للولايات المتحدة بإعداد قائمة بالدول تختلف باختلاف علاقتها بواشنطن و بإختلاف الظروف أيضاً الأمر الذي أعطى للولايات المتحدة الفرصة لإدماج أو إخراج أي دولة في و من القائمة حسب ما تمليه الظروف السياسية والدليل على ذلك من خروج ليبيا من تلك القائمة بعد تحسين علاقتها بالولايات المتحدة وحليفتها المملكة المتحدة و كذلك خرجت العراق من تلك القائمة بعد الحرب عليها و التخلص من النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين, في حين بقت في القائمة دول مثل كوبا و كوريا الشمالية المعروفتين بمعارضاتهما الشديدة لسياسية الولايات المتحدة وكذلك بقيت سوريا و إيران في القائمة و الذي يبدو أن تلك الأخيرتين هما الهدف القادم للولايات المتحدة باعتبار أنهما يساندان حزب الله في حربه ضد إسرائيل. والجدير بالذكر أن فنزويلا انضمت إلى القائمة في عام 2005.

وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر, بدأ العدو الجديد لواشنطن في اتخاذ شكل جديد, الأمر هنا يقتضي شبكة إرهابية تتكون من مجموعة خلايا عديدة منظمة و مرتبطة في عناصرها وممولة بواسطة قاعدة ودولة معينة و بالطبع وجدت الولايات المتحدة ضالتها المنشودة في تنظيم القاعدة الذي أعلن مسؤوليته عن تلك الهجمات.

وقد بدأت السياسة الأميركية الجديدة منذئذ تتحدد ملامحها من خلال مبدأ مهم يمكن استخلاصه من إحدى الخطب التي ألقاها جورج بوش في العشرين من سبتمبر 2001 حينما أعلن أن 'كل دولة وفي كل مكان في العالم يجب أن تتبنى موقف معين إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين' و إبتداءأً من ذلك اليوم فإن كل دولة تستمر في إيواء و تدعيم الإرهاب تعتبر من وجهة النظر الأميركية نظام معادياً لها.


تخصيص السياسة لأولوية الدفاع عن المصالح الأمريكية:

بالنسبة لواشنطن يوجد تقسيم لأوضاع ما قبل وما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. فبعد وقوع هذه الأحداث وجدت الولايات المتحدة نفسها في موضع حرج بالغ أمام العالم نتيجة لاهتزاز صورتها، لاسيما أنها تمثل لدى الكثيرين أسطورة كبرى ورمز للمناعة و الحصانة غير قابل للمس أو التهديد.

لذا فقد تبنت الإدارة الأميركية بعد عام من تلك الأحداث وتحديداً في سبتمبر من العام 2002 إستراتيجية جديدة للأمن القومي الأميركي. ووفقاً لها فرضت الولايات المتحدة على العالم اتجاهين جديدين. فمن ناحية, تحتفظ الولايات المتحدة بحق الدفاع الشرعي الوقائي الذي بمقتضاه تجتهد الولايات المتحدة على الدوام في التصرف بشكل فردي ووقائي عند الاقتضاء للحيلولة دون أي أعمال إرهابية تستهدف الشعب الأميركي. ومن ناحية أخرى, تدعم الولايات المتحدة المجتمع الدولي في حال التعرض لأي نوع من التهديد (3).

وفي هذا السياق تبنت الولايات المتحدة فكرة نشر الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط، باعتباره جبهة أساسية في الحرب علي الإرهاب. وفي سبيل ذلك تدخلت الولايات المتحدة بشكل 'خشن' في الفضاء الداخلي لبلدان الشرق الأوسط، والقيام بدور الرقيب الدولي بحجة المساعدة في إرساء قواعد الديمقراطية والحرية.

ووفقاً لتلك الرؤية, تطورت السياسة الخارجية الأميركية من خلال اتجاه مزدوج لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 حيث اعتبرت الولايات المتحدة نفسها مكلفة بمهمة إنقاذ المجتمع الدولي. كمدافع عن السلم الدولي و المسئولة عن الاستقرار الدولي من خلال نظرية الصراع بين الخير و الشر. وفي خطابه إلي الشعب الأميركي بمناسبة إعادة تنصيبه أكد الرئيس بوش دور الولايات المتحدة كزعيم أخلاقي كما أعرب عن طموحه في القيام بحملة صليبية عالمية من أجل الحرية(4) .

ومن الواضح جلياً، أن الولايات المتحدة رغبت في تقسيم العالم وفقاً لرؤيتها وبما يتناسب مع تحقيق مصالحها كما أن استخدام مصطلحات الخير و الشر أو دول محور الشر كورقة ضغط لإقناع العالم بسياستها وهو ما يتضح من عبارة الرئيس بوش إما تكونوا معنا أو مع الإرهابيين. وهذه العبارة تبرز تماماً و بوضوح رغبة الولايات المتحدة في الإمساك بزمام الأمور و القيام بدور قيادي في سياستها الخارجية دون أن تنتبه إلي أنها وجهت العالم والعلاقات الدولية نحو كثير من التعقيد.

وقد أصرت الولايات المتحدة على غزو العراق بالرغم من الرفض العالمي الكبير لها، ومع ذلك لم تستطع السيطرة على الظاهرة الإرهابية كما أنها لم تستطع القضاء بشكل كامل على تنظيم القاعدة. بل علي العكس فقد أثبتت التجربة أن التدخل العسكري يؤدي إلي تزايد الإرهاب و استفزاز الشعوب.

ويرى المناهضون للحرب على الإرهاب أن الأوضاع الأمنية ازدادت سوءا حسب تعبيرهم وأن هناك تضخيما لخطورة التهديدات التي يشكلها ما يسمى بالمجموعات الأرهابية وان هذا الحرب أدت الى خروقات في حقوق الأنسان حتى في الولايات المتحدة نفسها ويرى البعض أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الأرهابيين، ولكن في الأساليب المستخدمة ضدهم، إذ يرى البعض بأنه من المستحيل القضاء على فكرة معينة بحملة عسكرية وأن ماتساهم به الحملات العسكرية، حسب رأيهمن هو زيادة حدة و خطورة و انتشار الإرهاب. ويمكن تلخيص الأنتقادات للحرب على الأرهاب بالنقاط التالية (5):

1. التقسيم الفج في مقولة 'إما مع أو ضد الحرب على الإرهاب' بحيث لا يقبل هذا التصنيف أي مجال لانتقادات يراها البعض ضرورية.

2. الخسائر البشرية الكبيرة بين صفوف المدنيين في أفغانستان والعراق.

3.تشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى كثير من الأعتقالات التي تمت في سجون سرية بدون توجيه تهم وبدون اللجوء الى التسلسل القضائي والمحاكم وعدم تمتع هؤلاء السجناء بحق التمثيل القانوني من قبل محاميين واستعمال اساليب في الأستجواب لاتتماشى مع القوانين الدولية.

4. الاستنزاف الكبير للاقتصاد الأمريكي أثناء الحرب على الأرهاب الذي حول أكبر فائض في تاريخ الولايات المتحدة في عهد بيل كلينتون الى اكبر نقص في الميزانية في تاريخ الولايات المتحدة في عهد الرئيس الحالي جورج و. بوش.

5. استمرار الحرب لفترة زمنية قد تكون طويلة جدا مع عدم تحقيق انتصار ملموس اذ ان هذا الحرب بخلاف الحروب التقليدية لايعتبر قتل او اعتقال زعماء الجهات المعادية او ال تحقيق النصر العسكري بمثابة نصر لان الحرب هو حرب افكار و عقائد.

6. انشغال الحكومة بالحرب على الأرهاب ادت الى تجاهل الأزمات الداخلية في الولايات المتحدة من البطالة وسوء حالة التامين الصحي والضمان الأجتماعي وتم تقليص بعض هذه الميزانيات لدعم الحرب الذي لايوجد هناك بوادر لنهايته.(وعلى الصعيد الداخلي؛ فقد أقر الرئيس بوش في خطابه الموجه إلى الشعب الأمريكي في الذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ، بعض الاضافات على السياسة الأمريكية في مواجهة الارهاب، حيث تبنى رؤية استراتيجية واضحة مفادها الأعتراف بأن الحرب على الارهاب هي حرب فريدة من نوعها، وتختلف عن الحروب التقليدية لأنها تحتوي على صراع عسكري و صراع فكري.


وقد حدد بوش أربع أولويات يجب التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة هي:

- تأسيس قاعدة دولية خاصة بالمساءلة دوليا.

- تقوية التحالف و الشراكة مع الدول الأخرى لتمكين الولايات المتحدة من مواجهة الإرهاب.

- إعادة النظر في هيكلة النظام الداخلي وإعادة تأهيله لخدمة محاربة الإرهاب مع توضيح الأولويات القومية و توجيه الحكومة الأمريكية لتحقيق تلك الأهداف.

- خلق طائفة من الخبراء المختصين ودعمهم ماليا ومعنويا لتطوير ثقافة معاكسة للإرهاب.

ولعل ما يهمنا هنا هو أن الادارة الأمريكية تلوح دائما بالارهاب كعدو غامض يتربص بالشعب الأميريكي وبالطبع هي تهدف من ذلك تحقيق مصالح لها و لحلفائها. لذلك فإن هناك من يظن بأن وجود محاولات ارهابية لتفجير الطائرات الأميريكية و البريطانية ما هي إلا خدعة أميريكية بريطانية للتغطية على الانتقتدات التي وجهت للولايات المتحدة لتحيزها السافر لاسرائيل إزاء الحرب على لبنان. ومن ناحية أخرى تذكير الشعب الأميريكي و العالم الخارجي بالعدو المزعوم المسمى بالارهاب.

موقف القانون الدولي من الحرب الأمريكية علي الإرهاب:

عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، بدا القانون الدولي في عيون الإدارة الأميركية خالي من التوافق الحقيقي مع أهدافها وسياستها وغير قادر علي القيام بدور له مغزى في اختيار الأعمال التي مباشرتها في الحرب ضد الإرهاب .

وفي مواجهة تلك الفجوة اعتبرت إدارة الرئيس بوش نفسها كما ذكرنا سابقاَ في مهمة إنقاذية. وبالرغم من ذلك، فإن تلك المهمة التي أوكلها لنفسه الرئيس الأميركي كشفت عن الكثير من الصعوبات بالنظر إلى أن العدو هنا هو شبكة إرهابية معروفة و محددة تمتلك دعم قوي و لديها روابط في عدة دول.

وإذا كنا نتفق أن ميثاق الأمم المتحدة لم يشتمل علي تعريف للظاهرة الإرهابية بل أن لفظ الإرهاب لم يرد في الأصل في الميثاق فإننا يجب أن نتفق أيضاً على أن مسمى الحرب على الإرهاب ليس له وجود لا في ميثاق الأمم المتحدة و لا في القانون الدولي بشكل عام. مع ذلك فإن هناك بعض الأمور يمكن استنباطها من ميثاق الأمم المتحدة و منها حق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي بنت عليه الولايات المتحدة دفاعها لتبرير الحرب في أفغانستان و العراق.


1- الحرب علي أفغانستان: هل كانت حالة دفاع شرعي؟

قبل الخوض في إيضاح مدى ارتباط الحرب في أفغانستان بمبدأ الدفاع الشرعي لابد من التنويه إلى أن ميثاق الأمم المتحدة حرص على تأكيد عدم شرعية الحرب محرماً اللجوء إلى القوة المسلحة في العلاقات بين الدول ومع ذلك فقد وضع استثنائين لتطبيق هذا المبدأ وفقاً لشروط محددة: الأول هو حصول أي دولة علي تفويض من مجلس الأمن. والثاني يمكن تلخيصه قي مبدأ الدفاع الشرعي أي أن هناك استثناء من الأصل.

ووفقاً للمادة 2 فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة أن يمتنع أعضاء المنظمة على التهديد باستعمال القوة في علاقتهم الدولية. ويعد هذا المبدأ من أحد أهم المبادئ في القانون الدولي العام فكان من الضروري إدراج الدفاع الشرعي كاستثناء عليه.

فضلاً عن ذلك، أدرج واضعو الميثاق مبدأ الاختصاص المقيد المنصوص علبه في المادة 2 فقرة 7 من الميثاق، كمبدأ مكمل للمبدأ السابق و الذي بمقتضاه يمتنع التدخل في الشئون للدول احتراما لسيادة الدول حتى لا يتم التدخل في الشئون الداخلية بطريق اللجوء إلي القوة أو أن يستخدم الدفاع الشرعي بشكل تعسفي (6) و هو ما أكدته محكمة العدل الدولية في قضية نيكارجوا ضد الولايات المتحدة في عام 1986 استناداً على العديد من القرارات من الجمعية العامة بل أن المحكمة ذهبت إلى أبعد من ذلك حينما أقرت هذا المبدأ كقاعدة عرفية ( 11) و نظراً للأهمية الفعلية لتلك القاعدة اعتبرها الكثيرين من فقهاء القانون الدولي من القواعد الآمرة في القانون الدولي(jus cogens).

إذن الأصل هو عدم اللجوء على القوة و الاستثناء هو الدفاع الشرعي وبالتالي فإن الدفاع الشرعي سواء كان فردياَ أم جماعياً يفترض الرد السريع على أي عدوان مسلح كما يجب أن يهدف أيضاً غلي إبطال تأثير الوسائل الني تسمح بتحقيق ضربات مستقبلاً.

وهنا يثور تساؤل هل يمكن اعتبار الحرب في أفغانستان حالة دفاع شرعي؟ الشرط الأول والضروري لكي يمكن تأسيس عملية الحرية الثابتة التي تمت في 6 أكتوبر 2001 على أساس الدفاع الشرعي هو تواجد عمل من أعمال العدوان صادر عن الدولة الأفغانية. وبالرجوع إلى ميثاق الأمم المتحدة نلاحظ أن الميثاق ترك مفهوم العدوان مطلقا. وبناءاً عليه، تم تعريف العدوان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 الصادر في 14 ديسمبر 1974 على انه إرسال الدولة باسمها مجموعة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة لشن عمل مسلح له خطورته على إقليم دولة أخرى. وبالرغم من سعة وخطورة أحداث الحادي عشر من سبتمبر نجد أنه من الصعوبة تحديد ما إذا كان تدمير برجي التجارة في مدينة نيويورك يعد عدواناَ. كذلك يثور هنا تساؤلا شديد الأهمية إذا كان العدوان يفترض فيه أن يكون فيه عملاً مسلحاً فهل يمكن له أن يصدر عن أفراد؟

أجابت محكمة العدل الدولية عن هذا التساؤل في قضية نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة عندما حددت أن العدوان المسلح يمكن أن ينشأ عن عمل من أعمال المجموعات المسلحة في حالة لو كان هذا الفعل يمثل أهمية خاصة كما يقتضي هذا الفعل وجود صلة بين القائمين به والدولة. الواقع ومن خلال قضاء المحكمة يمكن قبول فكرة أن العدوان المسلح لا يتم عن طريق عمل من أعمال القوة المسلحة المنتظمة عبر الحدود الدولية إنما لابد و أن ترسل دولة ما سرب أو قوة أو مجموعة مسلحة بل ذهبت المحكمة أبعد من ذلك حينما أخذت بالتعريف المقضي به في القرار 3314 الذي أضاف مسمى القانون الدولي العرفي ولقد أوضحت المحكمة أنه إذا كان العدوان المسلح يشمل إرسال مجموعة مسلحة على إقليم دولة أخرى فإن تزويد المجموعة بالسلاح و العتاد و تقديم الدعم لهم لا يعني إدراج الدولة التي قامت بذلك في العدوان المسلح.

وقد احتاطت الولايات المتحدة لهذه المسألة عندما اعتبرت أن هناك شيئاً من التطابق في الأهداف بين نظام طالبان و بين تنظيم القاعدة، وأسندت المسؤولية عن الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها القاعدة في 11 سبتمبر 2001 إلى أفغانستان بالنظر على أن نظام طالبان تقبل وجود تنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية ومنحه المأوى و سمح له بالقيام بالأعمال الإرهابية عبر أراضيه.

بيد أن الآراء تباينت بشأن مدى شرعية الحرب على أفغانستان. فهناك اتجاه يرى أنه ليس هناك وضوح فيما إذا كان هناك تعاون حقيقي وملموس أو تواطوء بين نظام طالبان وتنظيم القاعدة فيما بتعلق بالتنظيم المشترك لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وبالرجوع إلى القرار 3314 و إلى قضاء محكمة العدل الدولية، فإن الدعم البسيط أو السماح باستخدام الأراضي الأفغانية للقيام بالعمليات المسلحة حتى لو كان كانت تلك العمليات تمثل عمل غير شرعي يستوجب مسؤولية الدولة إلا أن ذلك لا يكفي للقول بأن هناك عدوان يسند إليها و الذي بموجبه يمكن تبرير الدفاع الشرعي.

الاتجاه الآخر يستند إلى ما أخذ به قضاء المحكمة الجنائية ليوغوسلافيا السابقة في قضية تاديتش (Tadic ( حينما اعتبرت أن الدولة التي تمارس أي نوع من الرقابة الإستراتيجية وتقدم الدعم المادي للأفراد تتحمل المسؤولية عن الأفعال التي يرتكبونها(7).

والاتجاه الثالث رأي أن مسألة الحرب ضد الإرهاب التي تجسدت في التدخل العسكري في أفغانستان تتعلق بقواعد المسئولية الدولية و التي تستلزم ثلاث شروط مجتمعة : أولاً الفعل، ثانياً: أن ينسب هذا الفعل للدولة، وثالثاً أن يمثل هذا الفعل انتهاك لأحد الإلتزمات الدولية المرتبطة بها الدولة.

وفي حالة القاعدة تسند المسؤولية كاملة و بشكل غير قابل للجدل للتنظيم و الأكثر من ذلك أن المسؤولية تبدو واضحة بحيث يمكن إعطاء الحرب السند القانوني الذي بموجبه يمكن القضاء على التنظيم ومحاكمة أعضائه بل الأمر امتد أيضا دولة أفغانستان و حكومة طالبان التي اعتبرت شريكة لتنظيم القاعدة حيث تأكدت الصلة بينهما كما أن الولايات المتحدة استندت إلى قرارات الأمم المتحدة الصادرة منذ عام 1996 فعلى سبيل المثال القرار 1276 الصادر في 15 أكتوبر 1999 قد بين أن حركة طالبان وفرت المأوي و معسكرات التدريب على القيام ببعض العمليات الإرهابية كما أوضح القرار أيضاً أن حركة طالبان تعكر صفو السلم والأمن الدوليين مفسحةً بذلك الطريق لتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. و على ذلك فإن الولايات المتحدة لكي يتسنى لها استخدام حق الدفاع الشرعي لابد أن تكون هناك صلة أساسية بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر من ناحية وبين القاعدة ونظام طالبان من ناحية أخرى و هو ما حدث بالفعل حينما رفض نظام طالبان تسليم أعضاء تنظيم القاعدة المسئولين عن تلك الأحداث كذلك بتوفير المأوى لأفراد التنظيم تكون أفغانستان ورطت نفسها في انتهاك القانون الدولي مما أعطى الفرصة للولايات المتحدة لاستخدام الدفاع الشرعي كسند قانوني لتبرير الحرب في أفغانستان وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها دولة ضحية عدوان مسلح حق الدفاع الشرعي تجاه جماعة لا تمثل دولة و التي تعد مسئولة مسؤولية مباشرة عن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.

بالإضافة إلى ذلك، استطاع موقف الولايات المتحدة تجاه أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن يحدث صدي كبيراً في العالم الأمر الذي أدى إلى إصدار مجلس الأمن قراريه رقم 1368 و1373 في 12 و 28 سبتمبر 2001 معلنأً خطورة إعتداءات الحادي عشر من سبتمبر على السلم و الأمن الدوليين و معترفاً بحق الدفاع الشرعي الفردي و الجماعي وفقاَ لميثاق الأمم المتحدة و بالرغم من أن القرارين لم يرد فيهما ذكر الاعتداءات المسلحة أو عمل من أعمال العدوان مما اعتبره البعض تناقض قانوني مع الميثاق إلا أن المجتمع الدولي و خاصة الإتحاد الأوروبي في اجتماع للمجلس الأوروبي أيدوا الأطروحة الأميركية بشأن مشروعية التدخل العسكري في أفغانستان.


2- الحرب علي العراق : هل تعد امتداداً للحرب الأمريكية علي الإرهاب؟

في العشرين من مارس 2003، شنت الولايات المتحدة حرباً وقائية ضد العراق دون الحصول علي موافقة الأمن الأمم المتحدة، سالبة مجلس الأمن حقه الأصيل قي تفويض الدول في القيام ببعض العمليات العسكرية في حال تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر وفقاً للباب السابع من الميثاق و منتهكة بذلك الشرعية الدولية و المبادئ الدولية التي يتم التصرف على أساسها في العلاقات الدولية.

المهم أن الولايات المتحدة بإضافة مصطلح الوقائية إلى الدفاع الشرعي حولت المفهوم التقليدي الدفاعي إلى مفهوم هجومي إيمانأً منها بنظرية الهجوم خير وسيلة للدفاع و لقد علل الرئيس جورج بوش ذلك حينما تحدث عما يسمى بالحرب الوقائية في أحد خطاباته في 2 يونيه 2002 بالتطورات و التغيرات التي حدثت في العام بعد الحادي عشر من سبتمبر بحيث لا يجب انتظار هجمات إرهابية جديدة (8).

وباستقراء نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي أرست الدفاع الشرعي كأحد استثناءين من مبدأ عدم اللجوء إلى القوة، نتفق مع اهتمام واضعي هذا النص بتقييد السلطة التقديرية للدولة بقدر الإمكان بجعل اللجوء إلى الدفاع الشرعي استثنائيا و إخضاعه لبعض الشروط و المعايير الموضوعية منها على سبيل المثال وجود عدوان مسلح مسبق. هنا يبرز تساؤل هام في حالة ما إذا كان الإرهاب بنطاقه الواسع لا يرتبط ارتباطاً مباشر بأي دولة، فهل يمكن أن ننسبه إلى هذه الدولة بما يقضي مسؤوليتها ؟ و إذا كان المجتمع الدولي قد أعتبر لجوء الولايات المتحدة لحق الدفاع الشرعي في أفغانستان بالنظر إلي سعة هجمات الحادي عشر من سبتمبر و الارتباط بين نظام طالبان وتنظيم القاعدة كذلك بافتراض أن تفسير المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة كان ضرورياً وفقاً للوقائع و الظروف التي حدثت منذ 11 سبتمبر فهل يمكن اعتبار الحرب على العراق امتداداً لهذه الظروف؟

الجدير بالذكر أن الرأي العام العالمي كان معبأََ للتشجيع على القيام بالتظاهرات السلمية في العديد من البلدان ولكن ذلك لم يمنع الإدارة الأميركية من تحقيق مشروع غزو العراق أو وفقاً للرؤية الأميركية حرب صليبية حقيقي بين الخير في مواجهة قوى الشر. ما يعنينا هو أن نوضح أن مفهوم العمل الوقائي يتعارض تمتماً مع القواعد الدولية وفي حالة العراق تحديداً لا يمكن تبرير التدخل العسكري كما حاولت الولايات المتحدة إقناع العال م على أن العراق كانت تمثل تهديداَ للأمن و السلم الدولي كما أن الاستخدام الوقائي ليس له أي سند في القانون الدولي لاسيما إذا لم يكن هناك هجوم أو انتهاكات للقانون الدولي من الدولة محل الخلاف أو إذ لم يكن الأمر ستدعي ضرورة إنسانية ملحة. و الحال أن العراق لم يكن في حسبانها تعبئة قواتها و بطبيعة الحال لم تهدف مهاجمة أي دولة بل هي ليس في مقدورها مجاراة الولايات المتحدة عسكرياَ. أضف إلى ذلك أنه لم يثبت بالدليل القطعي وجود صلة بين النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين وبين تنظيم القاعدة و بالتالي فإن الحرب الوقائية لا تعد فقط عملاَ غير مشروعاَ و لكنه يمثل أيضاً خطورة كبيرة من شأنها أن تؤدي إلى عدم استقرار و تدمير الأمن و السلم الدوليين.

وفقاَ لتصريحات جورج بوش، إن التهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة تأتي من المجموعات الإرهابية الدولية ومن الدول التي تقدم لهم المأوي أو المساندة أيضاَ من الدول التي تسعى إلى امتلاك أو تصنيع أسلحة الدمار الشامل (9). و بالتالي إذا كان نوع التهديد نفسه قد تغير فإن أسلوب الرد السريع نفسه يجب أن يتغير و يتطور. و بناء على ذلك، فإن إستراتيجية واشنطن تستهدف من الآن فصاعداَ منع أي تهديدات تتجسد لها من خلا البدء بأعمال وقائية ضد أعدائها. هنا ينبغي التفرقة بين الحرب الوقائية و الحرب الإستباقية. هذه الأخيرة تستند على وجود بعض الأدلة المادية التي تبرز خطراً هائلاَ وتفترض التصرف أو التدخل المسبق. في المقابل لا ترتكز الحرب الوقائية على الخوف من العدوان الهائل و لكن تتأسس على الرعب بعيد المدى و بصورة أوضح في حالة الحرب على العراق استندت الولايات المتحدة على الرعب الذي أصابت به العراق المجتمع الدولي منذ غزو الكويت. من هنا تذرعت الولايات المتحدة بعدة أسباب لتبرير الغزو و لكي تعطي صفة الشرعية للحرب.

ومنذ وقوع أحداث سبتمبر2001 ، كانت هناك رغبة لدي الإدارة الأمريكية في القيام بالتدخل العسكري في العراق التي هي من المنظور الأميركي إحدي دول محور الشر والقضاء علي نظام الحكم بقيادة صدام حسين معللة ذلك بوجود صلة بين النظام السابق و تنظيم القاعدة وإن كان ذلك في حدود ضيقة ومع ذلك لم تثبت تلك الصلة ثبوتاَ قطعياً.

البداية كانت بمحاولة واشنطن البحث عن أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها العراق وفقاً لمزاعمها وذلك باسم احترام القرار 678 لسنة 1991، وتحت ذريعة الحفاظ الأمن والسلم الدوليين بالإضافة إلى مطالبتها بتعيين مفتشين دوليين على الأراضي العراقية ومع ذلك، لم يتم العثور أي نوع من تلك الأسلحة الأمر الذي وضع الإدارة الأميركية في موضع حرج أمام العالم.رغم ذلك، دون الحصول إذن من مجلس الأمن، رأت الولايات المتحدة أن صدور قرار جديد من الأمم المتحدة ليس ضروريأً لإضفاء الشرعية على غزو العراق وقد استندت في ذلك على القرار 1441 و القرارات السابقة عليه بشأن العراق.

وفي الثامن من نوفمبر 2002، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1441 الذي أعطى العراق فرصة لتنفيذ قراراتها الدولية المتعلقة بنزع السلاح و سمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشئات العسكرية العراقية كما أعطى الضوء الأخضر للمجتمع الدولي لاستخدام القوة لإجبار العراق على احترام القرارات السابقة. ولكي تدافع الولايات المتحدة عن اتجاهها لإستخدام القوة في العراق و الاستناد على الركائز القانونية المنصوص عليها في الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، افترضت الولايات المتحدة و حليفاتها بريطانيا أن العراق تمتلك مخزون الأسلحة المحرمة دولياً و لا تتعاون بشكل كافٍ مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

والخلاصة أن الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر حاولت إيهام العالم أنها في حالة حرب ضد الإرهاب حتى تعطى لنفسها الفرصة لتحقيق مصالحها بتنصيب نفسها الزعيم الأوحد للعالم، كذلك قامت بتكريس سياستها الخارجية التي بدأت تتضح ملامحها منذ الحرب في أفغانستان، للدفاع عن ذلك الهدف و ليس أدل علي ذلك من الضغوط التي تمارسها الآن على المجتمع الدولي و مجلس الأمن لاستصدار قرار يقضي بمعاقبة إيران إذا استمرت في تخصيب اليورانيوم وتطوير منشئاتها النووية بحجة الخوف من وقوع هذه الأسلحة في أيدي الإرهابيين الأمر الذي ينذر باحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران ولا نستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة لابتداع مصطلح جديد كما جرت عادتها لتبرير نهجها قد يكون الإرهاب النووي أو شيء من هذا القبيل.

الهوامش

(1) http://whitehouse.gov/news/releases/2002/01/20020129-11.html.
(2) Anthony Lake, ancient conseiller du président pour la sécurité nationale, Foreign affairs, 1994.
(3) Discours de Donald Rumdfeld, 23/09/2001 sur CBS & le Monde du 25/09/2001.
(4) National Strategy for combating terrorism.
(5) Bush et le droit, Le monde, 07.09.2006.
(6) américaine, L'Harmattan, 2005, p.59.
(7) ICJ, Military and Paramilitary Activities in and against Nicaragua (Nicaragua v. United States of America), JUDGMENT OF 27 JUNE 1986.
(8) C. Tadic, Judgment of: 15 July 1999, .L.M., vol. 38, p. 1546, § 145, http://www.un.org/icty/tadic/appeal/judgement/index.htm.
(9) Paul Marie de la Gorce, Ce dangereux concept de guerre préventive, le Monde diplomatique, octobre 2002.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar