Rabu, 28 November 2012

MazahibFikriyah



.
أما المسلمات التي فرضتها الكنيسة فرضا وأرهبت الناس من مناقشتها فهي غير ذلك تماما .
فحيث يتجه العقل والتدبر والتأمل إلي الإيمان بأن الله واحد أحد ، وانه لو كان في السماوات والأرض ألهه إلا الله لفسدتا .. تقول له الكنيسة إن الله ثلاثة ، ثم تزيد الأمر تعقيدا فتقول له إن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ، ثم تمنعه من المناقشة عن طريق الإرهاب .
وحيث يتجه العقل بوسائل تفكيره إلي الإيمان بأن الله الذي خلق كل شئ وقدره تقديرا هو في غني عن كل شريك لأنه( بيده ملكوت كل شئ ) ولأنه يقول للشئ ( كن فيكون ) ومن ثم فهو الجدير بالعبادة وحدة .. تقول له الكنيسة إن هناك شريكا لله هو المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام ، هو إله مع الله ، ومعبود كذلك مع الله ثم تمنعه من المناقشة وتتهمه بالمروق إن خالف ..
وحيث يتجه العقل بمنطقة الذاتي إلي الإيمان بأن الله ليس في حاجة إلي اتخاذ الولد والخلق كلهم خلقه ، خلقهم بمشيئته وهم عباد له وليس من شأنه سبحانه أن يتخذ مالا حاجة له إلي اتخاذ ، وهو المهيمن الذي يدبر أمر الوجود كله بمفرده ، بلاكلفة عليه سبحانه ولا جهد ولا حاجة إلي معين .. تقول له الكنيسة إن الله ولدا، خلقه بمشيئته كما يخلق كل شئ بمشيئته ثم تبناه سبحانه وتعالي عن ذلك علوا كبيرا ليضعه بعد ذلك علي الصليب ويجرعه آلام الصلب ، فيكفر بذلك عن خطيئة لم يرتكبها ذلك الإبن إنما أرتكبها آدم وحواء قبل ذلك بزمن لا يحصيه إلا الله ! ثم تفرض عليه ذلك فرضا وتقول له هذه هي العقيدة .. ومن لم يعتقدها فقد حلت عليه لعنة السماء .
تلك هي المسلمات التي لا يمكن التسليم بها لأن العقل يملك كل دليل ينفيها ، ولأنها لا تستند إلي شئ إلا قرارات المجامع المقدسة التي تبتدعها من عند نفسها وتزعم مجرد زعم أنها من عند الله ، بينما الناس يرون رجال الدين في تلك المجامع يتناقشون ويتحاورون ، ويختلفون فيما بينهم أشد الاختلاف ، ثم يصدرون القرار من تفكيرهم الذاتي- ولو كان وحيا سماويا لالتزموا به عقيدة ولم يجزلهم الاختلاف فيه ثم يرون أسوأ من هذا أن الأقلية تصدر القرار أو تفرضه فرضا علي الأكثرية ثم تطرد الأكثرية بالقوة كما حدث في مجمع خلقدونية .. ولا تطردهم من المجمع فحسب ، بل تزعم كذلك أنها تطردهم من رحمة الله !
ومن أجل أن هذه المسلمات المزعومة لا يمكن للعقل التسليم بها فقد حظرت الكنيسة علي العقل أن يفكر فهيا او يناقشها ، وزعمت الناس أن التفكير فيها مناف للإيمان ، وأن الموقف الصحيح للمؤمن هو التسليم بها بغير جدال ، وتفويض الأمر فيها لا لله ! بل " لقداسة " الباب ومن حوله من " كبار " رجال الدين !
وفي ظل الإرهاب الفكري الذي مارسته الكنيسة انكمش نشاط العقل الأوربي وانحصر في التسليم بما تمليه الكنيسة والمجامع المقدسة ، ومحاولة التوفيق بينه وبين مقتضيات التفكير السليم ، في مغالطات " فلسفية " هي أقرب إلي التلفيق منها إلي التوفيق !
ومن ناحية أخري انصرف الفكر الأوربي عن النظر في هذا العالم وفي الحياة الدنيا بتأثير أخر من تأثيرات الدين الكنسي المحرف ، فقد أوحت المسيحية المحرفة إلي الناس بأن هذه الدنيا لا سبيل إلي إصلاحها أو تقويم معوجها لأنها ناقصة بطبيعتها . وأن الطبيعة الإنسانية ناقصة كذلك ، ولا سبيل إلي إصلاحها إلا بصرفها عن الاهتمام بالحياة الدنيا جملة ، وصرف اهتمامها إلي اليوم الآخر كما المحنا في فصل " العلمانية "، وإنه بقدر ما ينصرف الإنسان عن هذا العالم والتفكير فيه بالرهبانية يكون أقرب إلي الصلاح ، وأقرب إلي الفوز بملكوت الرب في العالم الآخر .
هذا اللون من التفكير صرف التفكير الأوربي عن النظر في شئون العالم الأرضي والكون المادي إلا في أضيق نطاق مستطاع . ففي أمور الحياة رضي الناس عامة والمتدينون خاصة بعيش الكفاف [1] ولم يتطلعوا إلي زيادة الإنتاج أو تحسينه ، لأن ذلك يخالف روح الدين ، ومن ثم لم يسعوا إلي زيادة في العلم تمكنهم من زيادة الإنتاج أو تحسينه .
كذلك لم يهتموا بزيادة معلوماتهم عن الكون المادي من حولهم من فلك أو رياضيات أو كيمياء أو فيزياء ..إلخ ، لأن الأمر في حسهم لا يستحق الاهتمام من ناحية ، ولأن المعلومات التي تقدمها المصادر " الدينية ط عن هذا الكون فيها كفاية لهم من ناحية أخري ، ولم تكن تلك المعلومات تعدو أن الله خلق الأشياء علي صورتها لحكمة هو يعلمها ، ولغاية هو يريديها ، وأن كل شئ يجري علي النحو الذي أراده الله منذ الأزل بلا تغيير ، وهذا في ذاته حق ولا شك ، ولكنه لا يعطي التفسير التفصيلي لظواهر الكون المادي المحيط بالإنسان ! ولا ما يحدث من التحول الدائم في الكون والحياة والإنسان !
علي هذا النحو الضيق المغلق المحصور كان الفكر الأوروبي فيما يسمي هناك بالعصور الوسطي المظلمة ، التي استمرت زهاء عشرة قرون ، خيم فيها علي أوروبا ظلام الجهل والانحسار والانحصار ، في ظل الطغيان الكنيسي المتعدد الألوان المتشعب الأطراف .
فلما بدأت أوروبا في عصر النهضة نتيجة احتكاكها بالمسلمين في الحروب الصليبية من ناحية ، والاتصال السلمي بمراكز العلم والثقافة في الاندلس والشمال الإفريقي وصقلية وغيرها ، كان العقل الأوروبي في حالة تشوق عنيف لاستيراد حريته في العمل ، أي حرية التفكير . ولكن ، كما اتسمت فترة العصور الوسطي المظلمة بالتطرف في إلغاء دور العقل والحجر علي حرية الفكر ، كذلك اتسمت فترة النهضة وما بعدها التطرف في الجانب الآخر ، جانب إعمال الفكر في كل شئ ، سواء كان داخلا في مجال العقل اوغير داخل فيه ، وإعمال " بحرية " لا تقبل القيد ، سواء كان القيد مشروعا أوغير مشروع !
كان عصر" الإحياء " هو عصر العودة إلي الجاهلية الإغريقية بكل انحرافاتها .. مع زيادة انحراف جديد . هو النفور من الدين ، ومحاولة إبعاده عن كل مجال من مجالات الحياة .
والحقيقة أن الحياة الأوروبية في تلك الفترة تستلزم نظرة فاحصة تفق علي التيارات  والعوامل المختلفة التي كانت تمور في كيانها ، والتي تمخضت فيما بعد عن الصورة الحالية " للحضارة " الغربية .
لقد أخذت أوربا في نهضتها شيئا كثيرا من الإسلام والمسلمين ، ورفضت في الوقت ذاته أن تعتمد الإسلام دينا وعقيدة ومنهج حياة كما بينا في الفصل السابق وكان من جراء ذلك أثار بعيدة المدي في الحياة الأوربية إل وقتنا الحاضر .
فقد صحت أوربا من غفوتها الطويلة بالاحتكاك الحربي والسلمي بالمسلمين في الشرق والغرب .
وتزعم أوروبا أنها لم تأخذ عن المسلمين إلا التراث الإغريقي الذي كانت قد أضاعته في عصورها المظلمة، فوجدته محفوظا عند المسلمين فاستردته ، وأقامت نهضتها علي أساسه .
وفي هذا الزعم شئ قليل من الحق وشئ كثير من المغالطة التي لم ينج منها إلا عدد قليل من كتاب أوربا المنصفين .
قأما أن التراث الإغرقي الذي فقدته أوروبا في عصورها المظلمة كان محفوظا عند المسلمين فيما يسمي " الفلسفة الإسلامية " وفي التراجم التي كان المسلمون قد ترجموها عن الإغريقية ، وان أوروبا استردته عن طريق التعلم في مدارس المسلمين ، وأقامت جانبا من نهضتها عليه فهذا صحيح .
ولكن هذا التراث الإغريقي ، علي كل اعتزاز أوربا به وتعصبها له ، لم يكن صالحا وحده لإقامة النهضة الأوربية ، ولا أي نهضة علي الإطلاق ، باعتباره مجموعة من " الأفكار" التجريدية الذهنية المنقطعة عن واقع الحياة ، وهو بكل لمعانة الفكري لم يستطيع أن يداوم الحياة في بيئته الأصلية التي أنبتته ، فضلا عن أن يكون وحده باعث نهضة جديدة علي اتساع أوربا كلها ،وعلي اتساع العالم كله في العصر الحديث !
نعم ، يوجد في هذه الأفكار قيم ومبادئ يمكن أن تكون زاد لقوم " يرغبون" في الحياة ، ويرغبون في إقامة نهضة شاملة ، ولكنها وحدها لا تبعث فيهم هذه الرغبة ولا تلك .
إنما الرغبة في الحياة ، والرغبة في إقامة نهضة شاملة ، كانت هي الأثر الذي أخذته أوربا من احتكاكها بالمسلمين ، وملامستها للحياة الموارة في العالم الإسلامي ، وللنهضة الشاملة فيه .
وليس هذا فقط ..
فإن أوروبا لم تغنم من احتكاكها بالمسلمين تلك الرغبة في الحياة والحركة وإقامة النهضة الشاملة فحسب ، بل وجدت كذلك " مومقات" تلك النهضة بكاملها موجودة عند المسلمين ، فأخذت منها كل ما وسعها أخذه ، والعنصر الذي رفضته أخذه وهو الإسلام كان هو العنصر الوحيد القمين بترشيد تلك النهضة وإقالة أوربا من عثرتها ولكنها رفضت بدافع من العصبية الصليبية فخسرت العنصر الجوهري ، وأقامت نهضة عرجاء .. هي التي يعاني منها اليوم كل سكان الأرض !
نعم ، لم تكن رغبة الحياة ورغبة النهوض وحدها هي كل ما أخذته أوربا عن المسلمين .
لقد كانت أوروبا في جهالة تامة من كل علم إلا ما تملكه الكنيسة ورجال دينها من معلومات سطحية معظمها محشو بالأخطاء
وعند المسلمين وجدوا " العلم " .. في كل مجالات العلم .. في الطب والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء ، إلي جانب العلوم الدينية الإسلامية التي كانت تدرس جنبا إلي جنب في الجماعات الإسلامية .
وقد مر بنا قول " روجر بيكون " من أراد أن يتعلم ، فليتعلم العربية ، فأنها هي لغة العلم "
ونضيف هنا قوله " ألفارو القرطبي " قبل ذلك بقرون في الأندلس :
" يطرب إخواني المسيحيون بأشعار العرب وقصصهم ، فهم يدرسون كتب الفقهاء والفلاسفة المحمديين لا لتفنيدها ، بل للحصول علي أسلوب عربي صحيح رشيق ، فأين تجد اليوم علمانيا يقرأ التعليقات اللاتينية علي الكتب المقدسة ؟ وأين ذلك الذي يدرس الإنجيل وكتب الأنبياء والرسل ؟ وأسفاه ! إن شباب المسيحيين الذين هم أبرز الناس مواهب ، ليسوا علي علم بأي أدب ولا أية لغة غير العربية ، فهم يقرأون كتب العرب ويدرسونها بلهفة وشغف ، وهم يجمعون منها مكتبات كاملة تكلفهم نفقات باهضة ن وإنهم ليترنمون في كل مكان بمدح تراث العرب. وإنك لتراهم من الناحية الأخري يحتجون في زراية إذا ذكرت الكتب المسيحية بأن تلك المؤلفات غير جديرة بالتفاتهم ، فواحر قلباه ! لقد نسب المسيحيون لغتهم ، ولا يكاد يوجد منهم واحد في الألف قادر علي إنشاء رسالة إلي صديق بلاتينية مستقيمة ! ولكن إذا استدعي الأمر كتابة العربية ن فكم منهم من يستطيع أن يعبر عن نفسه في تلك اللغة بأعظم ما يكون من الرشاقة ، بل لقد يقرضون من الشعر ما يفوق في صحة نظمه شعر العرب أنفسهم [2]
ولم يكن العلم وحده هو الذي اخذته أوروبا عن المسلمين بجانب الرغبة في الحياة والرغبة في النهوض ، وإما أخذت كذلك المنهج الذي تقيم عيه العلم ، وهو المنهج التجريبي .
يقول بريفولت في كتاب " بناء الإنسانيةMaking of Humanity  : " فالعامل القديم كما رأينا لم يكن للعلم فيه وجود . وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتهم كانت علوما أجنبية استجلبوها من خارج بلادهم وأخذوها عن سواهم ، ولم تتأقلم في يوم من الأيام فتمتزج امتزاجا كليا بالثقافة اليونانية . وقد نظم اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات ولكن أساليب البحث في دأب وأناة ، وجمع المعلومات الإيجابية وتركيزها ، والمناهج التفصيلية للعلم ، والملاحظة الدقيقة المستمرة ، والبحث التجريبي ، كل ذلك كان غريبا تماما عن المزاج اليوناني ، أما ما ندعوه " العلم " فقد ظهر في أوروبا نتيجة لروح من البحث جديدة ، ولطرق من الاستقصاء مستحدثة ، من طرق التجربة والملاحظة والمقاييس ، ولتطور الرياضيات إلي صورة لم يعرفها اليونان .. وهذه الروح ، وتلك المناهج العلمية ، ادخلها العرب إلي العالم الأوربي [3]
كذلك لم يكن العلم وحده ولا المنهج التجريبي وحده .. يقول .. بريفولت :
" لقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية ( يقصد الإسلامية ) علي العالم الحديث ، ولكن ثماره كانت بطيئة النضج .. عن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في أسبانيا ، لم تنهض في عنفوانها إلا بعد وقت طويل من اختفاء تلك الحضارة وراء سحب الظلام . ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد أوربا إلي الحياة ، بل إن مؤثرات أخري كثيرة من مؤثرات الحضارة الإسلامية بعثت باكورة أشعتها إلي الحياة الأوربية فإنه علي الرغم من أنه ليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الأزدهار الأوربي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلي مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة ـ، فإن هذه المؤثرات توجد أوضح ما تكون وأهم ما تكون ، في نشأة تلك الطاقة التي تكون من للعالم الحديث من قوة متمايزة ثابتة ، وفي المصدر القوي لازدهاره : أي في العلوم الطبيعية وروح البحث العلمي [4]
 ويطول بنا الاستطراد لو رحنا نحصي بالتفصيل ما اخذته أوربا في بدء نهضتها من الإسلام والمسلمين ، ولكنا نعود إلي موضوعنا الأصيل فنقول إن أوربا اخذت ما أخذت ولكنها رفضت أن تأخذ الإسلام ذاته عقيدة ومنهج حياة ، وعادت إي الجاهلية الإغريقية والرومانية تستمد منهما بدلا من الدين الكنسي الذي لفظته ، والدين الصحيح الذي رفضت بدافع العصبية أن تدخل فيه , ومن ثم عادت كما قلنا إلي العقلانية اليونانية بزيادة انحراف جديد هو النفور من الدين ، والسعي إلي إخراجه من مجالات الفكر والحياة.
لقد كانت الجاهلية الإغريقية جاهلية وثنية خالصة في واقع حياتها ، ولكن " المفكرين" و " الفلاسفة " فكروا في الله سبحانه وتعالي ، وحاولوا تصوره علي قدر ما اجتهدت عقولهم ، فاهتدوا إلي وحدانيته وكماله وجلالة ولكن تشعبت بهم الظنون في متاهات لا قرار لها حين أخذوا يصفون كنه هذا الكمال وهذا الجلال كما مر بنا من تصور أرسطو .
أما جاهلية عصر الإحياء وعصر النهضة فقد سخرت " عقلها" في كيفية الاستغناء عن الله ، وإخراج موضوع الألوهية من ميادين الفكر والحياة واحدا إثر الآخر .
كان " التفكير الحر" معناه الإلحاد ! ذلك أن التفكير الديني معناه الخضوع للقيد الذي قيدت الكنيسة به العقل وحجرت عليه أن يفكر . فمعني الحرية الفكرية هو تحطيم ذلك القيد الذي يغل العقل من التفكير ، ولم يكن أمام أوربا بعد أن رفضت الإسلام إلا ذلك السبيل الواحد إلي الحرية الفكرية .. وهو الخروج علي الدين !
يقول برنتون كما سبق أن نقلنا من كلامه في كتاب " منشأ الفكر الحديث ) ( ص 103 من الترجمة العربية ترجمة عبد الرحمن مراد )
" فالمذهب العقلي يتجه نحو إزالة الله وما فوق الطبيعة من الكون .. فإن نمو المعرفة العلمية وازدياد الاستخدام البارع للأساليب العلمية يرتبط بشدة مع نمو الوضع العقلي نحو الكون .."
ويقول عن قانون السببية الذي كشفه نيوتن :" إن السببية تهدم كل ما بنته الخرافات والإلهامات والمعتقدات الخاطئة ( يقصد المعتقدات الدينية ) في هذا العالم " ( ص 151 من المرجع السابق )
ويقول : " الاله في عرف نيوتن أشبه بصانع الساعة ولكن صانع هذه الساعة الكونية ونعني بها الكون ، لم يلبث أن شد علي رباطها إلي الأبد ، فبإمكانة أن يجعلها تعمل حتي الأبد.
" أما الرجال علي هذه الأرض فقد صممهم الإله كأجزاء من آلته الضخمة هذه ليجروا عليها . وإنه ليبدو أن ليس ثمة داع او فائدة من الصلاة إلي الإلة صانع هذه الساعة الضخمة الكونية ، الذي لا يستطيع إذا ما أراد التدخل في عمله " !!
ولنا وقفه عند هذه النصوص
إن الاتجاه الفكري النافر من الدين ، المتجه إلي الالحاد ، لم يكن رد فعل لخطأ واحد من اخطاء الكنيسة وهو الحجر علي العقل خوفا من مناقشته " المسلمات "المفروضة  ، إنما كان في الحقيقة رد فعل أو نتيجة لأخطاء متعددة في وقت واحد .. فالجهالة العلمية التي عانتها أوروبا عدة قرون في ظل السيطرة الكنسية جعلت للعلم حين بدأت أوربا تتعلم فتنة ليست من طبيعته في الأحوال العادية وفي النفوس السوية ، فضلا عن حرب الكنيسة للعلم والعلماء في عهد النهضة باسم الدين جعلت طريق البحث العلمي هو طريق معاداة الدين .
إن الدين والعلم كما بينا في فصل "العلمانية " ليسا ندين متنافرين متعاديين كل منهما يسعي للسيطرة علي حساب الآخر ورغما عنه ! فنزعة العبادة ونزعة المعرفة كلتاهما نزعة فطرية ، والفطرة في النفس السوية لا يتنافر بعضها مع بعض ، إنما تتعاون جوانبها المختلفة لبناء الشخصية السوية المتوازنة . وقد تختل الشخصية لزيادة او نقص في أحد الجوانب بالقياس إلي حدة المفروضة ، وبالقياس إلي الجوانب الآخري في النفس ، ولكنها لا تختل قط من اجتماع جوانب الفطرة كلها في النفس ، فهذا هو الأمر الطبيعي الذي لا تستقيم النفي بدونه ، بل العكس هو الصحيح ، تختل النفس خللا مؤكدا حين يزاح جانب من جوانب الفطرة أو يضمر ليحل محله جانب آخر .
وفي العالم الإسلامي الذي استقت أوربا العلم منه ، كان هذا هو الأمر الواقع / كان الدين والعلم يعيشان معا متساندين متعاونين بلا تنازع ولا تنافر ولاخصام . بل كان العلم في حقيقة الأمر نابعا من العقدية منبثقا عنها ، يعمل في خدمتها ، ومع ذلك كان له ذلك المجال الواسع كله الذي يعمل فيه ، والحرية التي يمارسها في البحث وتحصيل النتائج وتدوينها والثمار العملية المفيدة التي تقوم عليها نهضة علمية زاهرة .
ولم يكن للعلم في نفوس المسلمين فتنة !
لا هو فتنهم عن الدين ، ولا صار في حسهم إلها مكان الله !
لانهم كانوا يتناولونه كما تتناوله الفطرة السوية ، التي تأخذ حظها من العبادة كما تأخذ حظها من المعرفة العلمية ، وتطلب هذه وتلك بلا تنافر بينهما ولا صدام !
وقد كان العالم الواحد في كثير من الأحيان عالما في الطب أو الفلك أو الرياضيات .. إلخ ، وعالما بالعلوم الدينية في نفس الوقت ، متبحرا في هذه وتلك ، متوازنا في ذات الوقت ، لا يصرفه الدين عن العلم ولا يصرفه العلم عن الدين
وكان الحسن بن الهيثم علي سبيل المثال الذي ظلت أوربا تدرس نظرياته في علم الضوء ( البصريات ) إلي بداية القرن التاسع عشر لتوفقها وتقدمها الباهر ، والذي أثبت ملاحظة كانت بالقياس إلي وقته من أعجب العجب ، وهي انحناء الشعاع الضوئي عند ملامسته جسما منحنيا وعدم سيره في خط مستقيم [5] - كان علي كل عبقريته العلمية تلك يقدم انتاجة العلمي باسم الله ، ويحمد الله ويثني عليه ويشكره علي فيض نعمة عليه !
كلا! لم يكن العلم عند المسلمين مثارا للفتنة ، لأنهم صاحبوه عدة قرون علي رزانة وروية ، فلم يفاجئوا به كما فوجئت أوربا في عصر النهضة ، ولأن نبع في حياتهم من نبع الدين فلم يثر بينه وبين الدين ذلك الخصام الذي ثار بين الدين والعلم في أوربا ، ولأن المعرفة كلها في حس المسلم نفحة ربانية يفتح بها علي عبادة ، فيكون جزاؤها في حسه مزيدا من التقرب إلي الله ، لا بعدا عنه وازورارا عن عبادته .
كذلك كان اكتشاف قانون السببية بالذات باعثا نم بواعث الإلحاد كما مر بنا من كلام " برنتون"
والمسئول في ذلك أيضا هو الكنيسة !
لقد ظلت الكنيسة تصرف الناس عن العلم عدة قرون ، وتوحي إليهم الاكتفاء بما عندها من العلم ، الذي لم يكن يتجاوز كما قلنا إن الله خلق الأشياء علي صورتها لحكمة يعلمها ولغاية يريدها .. أي ارجاع الأمور كلها والظواهر كلها إلي إرادة الله ومشيئة . ومن شأن الدين أن يركز دائما علي هذا المعني ، انظر إلي بعض ما جاء في القرآن الكريم في هذا الشأن .
" وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون "
" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ، ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات ، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون . وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر . والنجوم مسخرات بأمره . أن في ذلك لآيات لقوم يعقلون . ذرا لكم في الأرض مختلفا ألوانه . إن في ذلك لآية لقوم يذكرون . وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ، وتري الفلك مواخر فيه ، ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ، وألقي في الأرض رواسي أن تميد بكم . وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ، وعلامات وبالنجم هم يهتدون . أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ أفلا تذكرون ؟ إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . إن الله لغفور رحيم "‍‍‍‍‍‍‍
وحكمة ذلك واضحة . . " فالدين " يذكر الإنسان دائما بالله لكي يظل قلبه معلقا بالله في جميع حالاته ، فيحبه ويخشاه ، ويتطلع إليه في كل أمر من أموره .وبهذا وحده تصلح نفس الإنسان وتستقيم .. ولإن الإنسان عرضه دائما أن ينسي فإن الدين الصحيح يلح في تذكيره حتي لا تدركه الغفلة التي ينشأ عنها كل شر في حياة البشر علي الأرض .
ولكن هذا التركيز الشديد في الدين الصحيح علي رد الأمور كلها إلي مشيئة الله ، لم يمنع المسلمين من البحث عن " الأسباب الظاهرة " في الكون المادي وفي الحياة البشرية ، بلا تعارض في حسهم بين هذا وذاك .
ذلك أن الدين الصحيح وقد رد كل شئ بحق إلي مشيئة الله وقدرة [6] - نبه البشر إلي أن هناك سننا كونية تعمل إرادة الله من خلالها في الكون المادي ، كما أن هناك سننا أخري تعمل تلك الإرادة من خلالها في الحياة البشرية ، ودعاهم إلي التعرف علي هذه وتلك ، الأولي ليقوموا بتعمير الأرض وهو جزء من مهمة " الخلافة "التي خلق الإنسان من أجلها والأخري لتكون هذه الخلافة راشدة حين يتم تعمير الأرض بمقتضي المنهج الرباني .
لقد ظل القرآن يلفت نظر الناس إلي آيات الله في الكون انتظامها ورتابتها ودقتها وانضباطها
{أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46)} [سورة الفرقان 25/45-46]
{وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} [سورة يــس 36/33-40]
{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)} [سورة الذاريات 51/20-21]
وفهم المسلمون من هذه التوجيهات المتكررة أن الله يدعوهم إلي التأمل في هذا الكون من حولهم ، ليتعرفوا علي قدرة الله القادرة التي لا يعجزها شئ ، وليتعرفوا كذلك علي السنن الربانية التي أودعها في هذا الكون ، والطاقات التي سخرها لهم فيه ليقوموا بعمارة الأرض ، ويبتغوا من فضل الله
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12)} [سورة الإسراء 17/12]
{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)} [سورة الملك 67/3]
ومن ثم انطلقوا " يدرسون " هذا الكون ويتعرفون علي أسراره .. فتقدم العلم علي أيديهم تقدما ضخما ، في الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات والطب وغيرها من العلوم النظرية والتجريبية .. وأكتشفوا من بين ما اكتشفوا أن هناك سببا لكل شئ يحدث في الكون المادي ، من نور وظلام   وكسوف وخسوف ، ورياح ومطر ، وجدب وخصب وزيادة ونقص ..إلخ
ولكن اكتشاف " السبب الظاهر " لم يكن فتنة لهم كما كان بالنسبة لنيوتن ومن بعده من " العلماء " ‍!
فلم يجعلوه بديلا من السبب الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالي ، ولم يستغنوا به عن الله ، ولم يتصوروا أن له حتمية تقيد مشيئة الله الطليقة بحيث يعجز سبحانه عن التصرف في الكون بما يشاء ، كما توهم نيوتن ومن بعده .
إنما عرفوا أن هذا " السبب الظاهر" هو " السنة الجارية " التي تجري شئون الكون المادي من خلالها ، ومن ثم فهي ليست بديلا من الله سبحانه وتعالي ، وهي جزء من مشيئته ، ولا تعارض بين تفسير أي أمر من أمور هذا الكون بسببه الظاهر وتفسيره بأنه راجع إلي مشيئة الله ، مادام السبب الظاهر أو" السنة الجارية" من مشيئة الله ، ومن ثم فلا تعارض بين ماسموه " الطبيعة " وما سموه " ما وراء الطبيعة " بحيث يمتنع عليك الإيمان بهذه وتلك في آن واحد كما توهمت عقلانية ما بعد النهضة في أوربا ، نتيجة أن ما وراء الطبيعية في ظل السيطرة الكنسية ولحجر علي العقل كان ينفي الأسباب الظاهرة أو لا يعول عليها في تفسير أمر من أمور الكون ، وأن اكتشاف " السبب " جاء في جو من العداء للدين والكنيسة ، فوضع من ثم مناهضا ومعاديا لما رواء الطبيعية  ، بالإضافة إلي أن القوم هناك ظلوا في ظل الإيمان بما وراء الطبيعة علي الطريقة الكنسية في جهل مطبق بكثير مما يحيط بهم في هذا الكون ، بينما جاء اكتشاف السبب الظاهر في وسط معلومات عن هذا الكون تبهر العقول ‍!
كلا ! لم يفتن المسلمون باكتشاف السبب الظاهر كما فتنت أوربا في جاهلية ما بعد القرون الوسطي ، المظلمة عندهم ، بل ظلوا يكشفون كل يوم جديد من أسرار هذا الكون يحققون به تسخيرا جديدا لطاقات السماوات والأرض ، المسخرة من الله أصلا للإنسان ، والتي يحتاج تحقيق تسخيرها من قبل الإنسان إلي جهد عقلي يتعرف  به علي السنن الربانية وجهد عضلي لتحويل المعرفة النظرية إلي واقع
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [سورة الجاثية 45/13]
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)} [سورة النحل 16/78]
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [سورة الملك 67/15]
ولم يتصور المسلمون في بلاهة تلك الجاهلية " أنه ليس ثمة داع أو فائدة من الصلاة إلي الإله صانع هذه الساعة الضخمة الكونية " لمجرد أنهم عرفوا سرا من أسرارها ، بل أحسوا كما بينا من قبل أن العلم نفحة ربانية يمن الله بها علي عبادة ، فينبغي أن يشكروه عليها بإقامة الصلاة لا بقطعها ، وإدامه التعبد والخشية لله . كما عرفوا أنهم مهما تعلموا من أمور الكون فعلمهم قليل ، وانهم في فقر دائم إلي الله واحتياج:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [سورة فاطر 35/28]
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} [سورة الإسراء 17/85]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [سورة فاطر 35/15]
كذلك لم يتصوروا في بلاهة أن الله عاجز عن التصرف في شئون الكون بمشيئته الطليقة لمجرد أنه ثبت سنته الجارية كما تصور نيوتن : " ليس ثمة داع أو فائدة من الصلاة إلي الإله صانع هذه الساعة الضخمة الكونية الذي لا يستطيع إذا ما أراد التدخل في عمله " ! ! ومن ثم لم ينكروا المعجزات كما أنكرتها عقلانية النهضة وما بعدها . إنما عرفوا أن الله سبحانه وتعالي ثبت سنته بمشيئته الطليقة رحمة بالإنسان ، وإعانة له علي القيام بدور الخلافة . ولكنه سبحانه وتعالي طليق المشيئة يصنع في هذا الكون ما يشاء ، لا يقيد مشيئته شئ عي الإطلاق .. و ثبوت سنته الجارية [7]فإن شاء سبحانه وتعالي أن يغير شيئا من نظام الكون لحكمه يريدها ليظهر للناس معجزة من معجزاته ، أو يغير نظام الكون كله يوم القيامة كما أخبر عباده في كتبه المنزلية ، فلن يقف ثبوت السنة الجارية أمام مشيئة جل وعلا ، إذا السنة الجارية من مشيئته ، والسنة الخارقة من مشيئته ، وهو سبحانه يستخدم هذه السنة أو تلك وقتما يشاء وكيفما يشاء لا قيد علي مشيئته يمنعه من التصرف كيف يشاء .
و" المعجزة " كما نطلق عليها هي شئ خارق للسنة الجارية .. نعم .. ولكن " الإعجاز " في السنة الجارية هو الإعجاز في الخارقة . مصدرهما واحد وحوهرهما واحد .. هو القدرة الإلهية التي لا يعجزها شئ في السموات ولا في الأرض .. وإلا فهل خلق الحياة من الموات الذي هو في حسنا من السنة الجارية أقل روعة أو أقل إعجازا من شق البحث بالعصا ، أو وقف دوره الشمس لفترة من الوقت أو غير ذلك من المعجزات ؟ وهل الذي يخلق الكون كله من العدم يعجز عن تصرف جزئ في هذا الكون تقتضيه حكمته سبحانه ؟!
وكما لم تكن معرفة المسلمين المبكرة بالأسباب الظاهرة وثبوت السنة الجارية مانعا لهم من الإيمان بالمعجزات التي جاءت في الكتب المنزلة ، كذلك لم يكن إيمانهم بالمعجزات داعيا إلي الخرافة ، ولا الاعتقاد بأن الكون فوضي لا يضبطه ضابط ولا يربطه نظام و ط العلم " الذي أخرجوه هو البرهان علي ذلك ، فقد كان هذا العلم من الدقة والانضباط بحسب المتاح في وقته من الأدوات لدرجة شهد لها كل منصف في التاريخ وكله شاهد بأن المسلمين كانوا يتعاملون مع هذا الكون علي أساس أن هناك نظاما دقيقا يربطه ، نظاما من " الأسباب" و" النتائج " معجزة بدقته ، رائع بانضباطه
{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)} [سورة الملك 67/3]
إنما كانوا علي " التوازن" الذي علمهم أياه الإسلام
أما " عقلانية " النهضة " وما بعدها فقد خرجت علي الناس بأمور " غير معقولة ط علي الإطلاق .. من نفي لوجود الله تارة ، ومن إثبات له تارة أخري مع نفي قدرته علي التصرف ، ومن جعل السبب الظاهر بديلا من السبب الحقيقي ، ومن جعل ثبوت الاسباب الظاهرة حتميات[8]  تفرض نفسها علي مشيئة الله !
m    m    m

    ودار الزمن دورة أخري فانتقلت أوروبا فيما يقال من سيادة العقل إلي سيادة الطبيعة ، حين كشف العلم مزيدا من أسرار الكون واقتنع " المفكرون" أن الأصل الذي ينبغي الرجوع إليه هو " الطبيعة " لأنها هي التي تنقش في العقل ما يتولد فيه من أفكار . فليس مصدر المعرفة إذا هو الوحي الرباني وقد نبذوه وراءهم ظهريا سواء منه ما كان حقيقيا بلا تحريف ، وما اخترعته الكنيسة من عندها ، وقالت إنه من وحي الله ولا هو العقل ، الذي لا ينشئ ولا ينبغي له أن ينشئ شيئا من عنده إنما هو الطبيعة : هو عالم الحس .. هو الحقيقية الموضوعية ..
يقول الدكتور محمد البهي في تلخيصه الجيد الذي نقلناه من قبل عن الفلسفة الوضعية وتقديرها للطبيعة
" ومعني تقديرها للطبيعة علي هذا النحو أن الطبيعة في نظرها هي التي تنقش الحقيقة في ذهن الإنسان ، وهي التي توحي بها وترسم معالمها الواضحة ، هي التي تكون عقل الإنسان ، والإنسان لهذا لا يملي عليه من خارج الطبيعة ، أي لا يملي عليه مما وراءها ، كما لا يملي عليه من ذاته الخاصة ، إذ ما يأتي من ما وراء الطبيعة خداع للحقيقة وليست (هي) حقيقة ايضا !
" وبناء علي ذلك يكون " الدين" وهو وحي ( أي ما بعد الطبيعة ) خداعا ! وهو وحي ذلك الموجود الذي لا يحده ولا يمثله كائن من كائنات الطبيعة هو وحي الله الخارج عن هذه الطبيعة كلية .
" وكذلك " المثالية العقلية " وهم لا يتصل بحقيقة هذا الوجود الطبيعي ، إذ هي تصورات الإنسان من ( عند ) نفسه ، من غير ان يستلم فيها الطبيعة المنثورة التي يعيش فيها وتدور حوله
" إن عقل الإنسان في منطق هذه الفلسفة أي ما فيه من معرفة وليد الطبيعة التي تتمثل في الوراثة والبيئة والحياة الاقتصادية والاجتماعية ، إنه مخلقو ، ولكن خالقه الوجود الحسي [9]
ولقد يفهم من هذا لأول وهلة أن العقلانية التي تتبعنا أطوارها في عصر النهضة وما بعدها قد انتهت وحل محلها طور جديد لا يمت لها بصلة .. ولكن هذا غير الواقع
لقد تغير الإله المعبود عندهم بالفعل فلم يعد هو العقل ، وإنما صار هو الطبيعة التي قال عنها دوران " الطبيعة تخلق كل شئ ولا حد لقدرتها علي الخلق"
ولكن الإله الجديد لم يقتل الإله الأول ، ولم يخرجه من الساحة ليحل محله ، إنما قيده فقط بقيوده وأخضعه لشروط ه ، وإن كان قد شد علي يديه في حرارة مؤيدتا ومؤازرا في نقطة واحدة معينة هي نفي الإله الحقيقي سبحانه وتعالي- واخراجه نهائيا من الساحة ( نستغفر الله ) وإن اختلفت زوايا الرصد واختلف " المنطق " المستخدم فالإله الأول العقل ينبذه بحجة أنه " غير معقول" !! والإله الثاني الطبيعة ينبذه لأنه لا يدرك بالحس ولا يخضع للتجربة في المعمل !! تعالي الله عما يقولون علوا كيرا ..
إن المنهج التجريبي الذي تعلمته أوربا من المسلمين لم يؤث ثماره الظاهرة في ميدان العلم إلا في القرن التاسع عشر علي وجه التقريب ، ولكنه تحول عندهم إلي فتنة طاغية ، لأن أوروبا أخذته دون أن تأخذ اقاعدة الإيمانية التي كان يقوم عليها عند المسلمين ، وهي قاعدته الأصلية ، فكأنه نبات انتزع من بيئته انتزاعا وغرس في بيئة أخري لا تناسب الأولي ، ولا تشبهها في مكوناتها ومقوماتها ،فطال وارتفع ، ولكنه أثمر ثمارا شيطانية غير الثمار الطيبة التي كان يؤتيها من قبل .
كان المنهج التجريبي عند المسلمين نابعا من التوجيه الإسلامي الإيماني .. نابعا من مثل هذه التوجيهات :
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)} [سورة الإسراء 17/36]
{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} [سورة البقرة 2/189]
{وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)} [سورة الذاريات 51/20-21]
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27)} [سورة السجدة 32/27]
" تداووا . عباد الله فإن الله تعالي لم يضع داء إلا وضع له دواء ، إلا داء واحد: الهرم " وغيرها .. وغيرها .. مما جاء في الكتاب والسنة .. كثير
وكانت هذه التوجيهات التي حولت المسلمين من أمة لا اهتمام  لها بالعلم في جاهليتها إلي أمة عالمة في كل فروع العلم المتاحة لها بحسب وقتها ، وحولت العلم من الاتجاه النظري الإغريقي إلي الاتجاه العملي التجريبي موجه إلي غايتين في آن واحد " الفكر في أيات الله في الكون للتعرف علي قدرته المعجزة من أجل إخلاص العبادة له وحده ، والفكر في تلك الآيات للتعرف علي السنن الكونية الربانية لتحقيق معني الخلافة وعمارة الأرض
ومن ثم لم تفترق الغايتان في حس المسلمين كما افترقتا وتعارضتا في حس أوروبا !
لم يشعر المسلمون أن تفكرهم في آيات الله في الكون من أجل إخلاص العبادة له ، مانع لهم من البحث عن السنن الكونية الربانية من أجل عمارة الأرض ولم يشعروا كذلك أن البحث عن هذه السنن من أجل عمارة الأرض مانع لهم من إخلاص العبادة لله . لأنه لا تعارض في الحقيقة . والله يقول لهم :
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} [سورة القصص 28/77]
ويقول لهم :
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} [سورة الملك 67/15]
فالمشي في مناكب الأرض والأكل من رزق الله المؤدي إلي عمارة الأرض يصحبه في التوجيه الرباني التذكير بالآخرة ، وواجب إخلاص العبادة لله من أجل النشور ، يوم يحاسب الناس علي ما عملوا في الحياة الدنيا . فلا العمل من أجل الحياة الدنيا مانع من اخلاص العبادة وتذكر النشور ، ولا تذكر النشور مانع من عمارة الأرض . وهكذا يتوازن " الإنسان " بين مطالب الجسد ومطالب الروح ، ومطالب الدنيا ومطالب الآخرة بل هكذا في الواقع يصبح الإنسان إنسان علي الحقيقة لا حيوانا في صورة إنسان كما هو في الجاهلية المعاصرة . إنسان يسعي بكل فاعليته في واقع الأرض لعمارتها والهيمنة عليها والإنشاء والتغيير فيها بما يحقق معني الخلافة ، وهو في الوقت ذاته محكوم " بالقيم " المرتبطة بيوم  النشور ، النابعة كلها من إخلاص العبادة لله ، ونبذ الأرباب المزعومة كلها ، المؤدية إلي عبادة الشيطان من سبله المتعددة :
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [سورة الأنعام 6/153]
أما في الجاهلية المعاصرة فقد سارت الأمور في طريق آخر ..
ذلك أن أوروبا استنبتت المنهج التجريبي الذي أخذته من المسلمين ، في أرض سبخة يملؤها العداء للدين والفرار من الله بدلا من الفرار إليه :
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ...} [سورة الذاريات 51/50-51]
وكانت النتيجة أن أصبح المنهج التجريبي فتنة لأوروبا ، كلما فتح عينيها علي مزيد من أسرار الكون زادوا بعدا عن الله ! أو كما يقول جوليان هكسلي في كتابه " الإنسان في العالم الحديد " إن الإنسان كان يعبد الله من قبل في عصر العجز والجهل بسبب عجزه وجهله . أما الآن وقد تعلم وسيطر علي البيئة فقد ’ن له أن يحمل علي عاتق نفسه ما كان يلقيه من قبل في عصر العجز والجهل علي عاتق الله .. ومن ثم يصبح هو الله !
ولم تكن الفتنة هي غرور الإنسان بنفسه وظنه أنه مستغن عن الله فحسب [10] بل كانت بالإضاقة إلي ذلك قتنة بالعلم وبالمنهج التجريبي ، فأصبحت التجربة الحسية المعملية هي " الميعار" الذي تقاس به " حقيقة " كل شئ ، ويرد إليه " صدق " كل شئ ! فما أمكن إثباته عن طريق التجربة المعملية فهو الموجود علي الحقيقة، وهو الموثوق بصدقه ، وما لا يمكن إثباته عن هذا الطريق فهو إما شئ لا وجود له وإما شئ ساقط من الحساب . ودخلت في هذا القبيل قضية الألوهية بكاملها ، بكل ما حولها من وحي ورسل وكتب وبعث ونشور وحساب وجزاء .. أو باختصار : قضية الإيمان [11]
وإذا كانت عقلانية عصر النهضة وما بعدها قد اغلقت كل منافذ المعرفة إلا العقل ،/ ولكنها تركته يسرح حيث يشاء ، ويشطح كيف يشاء ، فإن " العقلانية التجريبية " التي سيطرت علي الفكر الأوروبي منذ القرن التاسع عشر ، قد اغفلت  كل منافذ العقل إلا التجربة والحس ! وتلك هي اللعنة التي نجا منها الفكر الإسلامي الأصيل [12] وقت أن كان المسلمون مستقيمين علي نهج الإسلام الصحيح .
لقد كانت المسلمون كما بينا هم الذين أنشأوا المنهج التجريبي في البحث العلمي . ولكنهم أدركوا - بداهة أنه ليس كل شئ يدخل المعمل للتجربة ! إنما الذي يصلح لذلك هو " المادة " والجسم " ولم يتوانوا هم في إدخال المادة والجسم معمل التجربة ، فتقدمت الفيزياء والكيمياء والطب علي أيديهم تقدما يعتبر بالنسبة إلي وقتهم فتوحات .
ولكنهم فيما عدا القلة الشاذة التي تأثرت بالفكر الإغريقي لم يغفلوا .
كل منافذ المعرفة غير العقل [13] ثم إنهم قط لم يغلقوا كل منافذ العقل غير التجربة والحس
لقد أدركوا ، وصدقوا وآمنوا أن الله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [سورة الأنعام 6/103] ومن ثم لم يجعلوا الذي يرجعون إليه في إثبات وجود الله ووحدانيته وتفرده بصفاته التي يتصف بها هو التجربة الحسية ! إلا من جانب واحد هو رؤية أثار قدرة الله في الكون ، والاستدلال منها عل كل ما تدل عليه من وجود الله ووحدانيته وتفرده . وهذا هو المنهج العلمي الصحيح الذي فاء إليه أخيرا نفرد من العلماء في الجاهلية المعاصرة في القرن العشرين [14]
ثم إن المسلمين لم تكن لديهم كنيسة تدفعهم بتصرفاتها إلي حماقة عدم تسمية الله باسم الصحيح ! ولا إضفاء الله علي إله آخر مزعوم أسمه الطبيعة ، أو اسمه المادة ، لمجرد الهروب من طغيان الكنيسة .. فإذا ذكر الله أشمأزت قلوبهم وإذا ذكر الإله المزعوم إذا هم يستبشرون ! وإذ ظلوا يعرفون الله باسمه الصحيح ، ويعبدونه من ثم العبادة الصحيحة ، فإن السبل لم تختلط عليهم ، ولم يجعلوا قضايا الوحي والرسالة واليوم الآخر قضايا تجريبية ، إنما قضيا إيمانية يسلمون بها بعد أن تتأكد عقولهم بكل وسائل الاستدلال من وجود الله سبحانه وتعالي ، وقدرته التي لا تحدها حدود ، وتتأكد من صدق الرسول المرسل إليهم صلي الله عليهم وسلم ، ومن أن ما يخبر به عن ربه وحي لا شك في .
ولم يتعارض في حسهم الإيمان بما تدركه الحواس مع الإيمان بما لا تدركه الحواس ، أو الإيمان بالغيب ، فهذا له قناة في الفطرة وذاك له قتاة ، كلتاهما تمد الإنسان بلون من المعرفة غير الذي تمده به الأخري ، ومن مجموعها معا تتكون المعرفة اللازمة للإنسان
لم يغلقوا علي أنفسهم نافذة الغيب في سبيل تأكيد العالم المحسوس وتأكيد عرفتهم به . كما لم يغلقوا علي انفسهم نافذة المحسوس في سبيل تأكيد إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره
وبذلك تقدموا بالمنهج التجريبي ذلك التقدم الهائل الذي أحرزوه دون ان يحتاجوا إلي مسخ الإنسان وطمس بصيرته وتعتيم روحه علي النحو الكريه الذي صنعته الجاهلية المعاصرة ، فظلت تهبط بالإنسان دركا وراء درك حتي لتوشك أن تسلمه إلي الدمار
ونريد ان نتعرف علي الموقف الصحيح للعقل والعقلانية كما يقدمه الإسلام وكما مارسه المسلمون وقت أن كانوا مستقيمين علي المنهج الصحيح
ولكنا لا نستطيع أن نختم الحديث عن عقلانية الجاهلية ، والعقلانية المعاصرة بصفة خاصة قبل أن نشير إلي قوله عجيبة وردت في كتاب من كتب سارتر ، الكاتب الوجودي المعروف ، ذات صلة بالموضوع ، ودلالة لا تحتاج إلي تعليق !
وسارتر يهودي وإن كان كثير من الناس لا يعلمون ذلك ! فقد ورد في الدستور اليهودي أن اليهودي من كانت أمه يهودية ، وأم سارتر يهودية كما ذكر هو في هذا الكتاب المشار إليه ، والذي عنوانه " تأملات في المشكلة اليهودية Reflec – tions sur la question juive والذي أنصح بقراءته كل قارئ يملك قراءته بلغته الأصلية الفرنسية أو ترجمته بالإنجليزية بعنوان " Anti- Srmite and Jew "  ذلك أنه لم يترجم إلي الغربية فيما أعلم .
    صدر هذا الكتاب عام 1946م بمناسبة الحديث عن تقسيم فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية .. وقيمته من وجهة نظرنا إنه يعترف بأفاعيل اليهود في إفساد البشرية في أثناء محاولته الدفاع عنهم ! ذلك أن طريقته في الدفاع عن اليهود هي ن يذكر التهم الموجهة إليه ، ثم يقول إنها صحيحة ! ولكنهم معذورون في إتيانها بسبب كذا وكذا!
وسواء اقتنعت بوجاهة الأسباب أم لم تقتنع وهي في مجموعها متهافتة لا تقنع أحد فإنها تؤكد التهمة ولا تنفيها ! ويزيد من قيمة شهادته أنه " شاهد من أهلها" لا يتهم بالتعصب ولا التحيز ولا التقول ولا الافتئات !
يقول : إن اليهود متهمون بتهم ثلاث كبري ، هي عبادة الذهب ، وتعرية الجسم البشري  ونشر العقلانية المضادة للإلهام الديني ، ويقول إن المتهم كلها صحيحة ! ثم يروح يقدم لكل منها ما يقدم عليه من المعاذير
قال عن عبادة الذهب أن اليهود مضطهدون في كل الأرض وكل التاريخ ، وإنهم لابد ان يسعوا إلي امتلاك القوة ليقاوموا هذا الاضطهاد والوسيلة التي لجأوا إليها هي السعي إلي امتلاك الذهب وتجميعه ليكون لهم عدة وقوة !
وقال عن تعرية الجسم البشري أن اليهود متهمون بقبح اجسامهم وعدم استقامتها ! فأرادوا ان يثبتوا للبشرية أن القبح كامن في الجسم البشري ذاته لا في اجسام اليهود وحدهم ! فعملوا علي تعرية الجسم البشري ليستيقن البشر من هذه الحقيقة ! ( أرأيت إلي مدي السخف والتهافت ..؟!)
أما نشر العقلانية المضادة للالهام الديني Rationalism as against in tuition  ( كما ورد في الترجمة الانجليزية ) فقد كشف فيه الغطاء دون مواربه ! قال : إنه طالما كان البشر يؤمنون بالدين ، فيسظل يقع علي اليهود تمييز مجحف علي اعتبار أنهم يهود ، أما إذا زال الدين من الأرض ، وتعامل البشر بعقولهم ، فعلق اليهود كعقل غير اليهودي ، ويؤمئذ لن يتميز اليهود بكونهم يهودا ، ولن يقع عليهم التمييز المجحف ـ وسيعيشون في سلام مع غير اليهود ( أي بعد أن يغطوا علي حقيقتهم ويندسوا في وسط البشرية مبهمين بين الجموع !!)


[1] ما عدا الاقطاعيين بطبيعة الحال ، ومع ذلك فقد كانت الكنيسة تساندهم بكل جشعهم وظلمهم لانها هي ذاتها كانت قد أصبحت من ذوات الإقطاع
[2] حضارة الإسلام ، جرونيباوم ، ص 81- 82 م الترجمة العربية
[3] عن كتاب " تجديد الفكر الديني " تأليف محمد اقبال ، ترجمة عباس محمود ص 250 من الترجمة العربية
[4] المصدر السابق ص 149
[5] وفسر بذلك أننا نري الشمس قبل ظهورها الحقيقي بدقائق ، ونظل نراها بعد غروبها بدقائق ! وفي القرن العشرين اكتشف انشئتين في الضوء في الكون الواسع لا يتخذ مسارا مستقيما بل ينحني حول الاجرام السماوية بفعل الجاذبية
[6] يقول تعالي : " إنا كل شئ خلقناه بقدر " ( سورة القمر : 49 )
[7] راجع في ذلك فصل " التوازن " خصائص التصور الإسلامي ومقوماته
[8] ثاب العلم أخيرا إلي أه لا توجد " حتميات" فيما سموه " قوانين الطبعية " إنما هي " احتمالات"
[9] 298-299 من كتاب " الفكر الإسلامي الحديث "
[10] يقول رب العالمين جل وعلا " كلا ! إن الإنسان ليطغي ، ان رآه ستغني
[11] مر النص من حديث جبريل عليه السلام :" قال أخبرني عن الإيمان قال أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره
[12] أي الذي لم يتأثر بفكر أجنبي عن الإسلام
[13] وحتي هؤلاء لم يصلوا إلي درجة الإعريق وإن كانوا تأثروا بهم .

[14] انظر الكتاب الله يتجلي في عصر العلم " لمحموعة منا لعلماء الغربيين

Tidak ada komentar:

Posting Komentar